الصيام قبل العملية الجراحية: ما هي الأسباب؟

ربما أنت هنا لأنك على وشك الخضوع لعملية جراحية ولديك رغبة بمعرفة فيما إذا كنت بحاجة إلى اتخاذ أية تدابير وقائية. أو ربما كل من يقابلك الآن يستمر بإخبارك بضرورة الصيام قبل العملية الجراحية وعدم الأكل أو الشرب قبلها وأصبحت بحاجة إلى معرفة ما يمكن أن يحدث إذا أكلت أو شربت قبل العملية الجراحية.

بغض النظر عن نوع العملية فإنها تتضمن دائماً إجراء نوع من التخدير. حيث يمكن أن يتراوح التخدير من التخدير الخفيف إلى التخدير العام، والهدف منه هو منع أي نوع من الألم أو الانزعاج أثناء العملية. ينصح الأطباء عادةً بعدم الأكل أو الشرب قبل أي إجراء طبي يتضمن التخدير لحماية صحة مرضاهم.

عند استخدام المخدر فإن المريض يفقد وعيه ويفقد المنعكسات الوقائية والوظائف اللاإرادية. وإذا كان هناك أي طعام أو سائل في معدتك فقد يتم طرده من المريء إلى حلقك. وبالنتيجة يزداد خطر إصابتك بالغثيان أو القيء. لكن الأهم من ذلك أن هذا الطعام أو السائل أو حمض المعدة قد يدخل إلى رئتيك ويسبب مضاعفات.

تلقي هذه المقالة نظرة معمقة على أسباب الصيام قبل العملية وعلى نوع التخدير الذي يتطلب عدم تناول الطعام أو الشراب بالإضافة إلى بعض النصائح حول ما يجب فعله إذا شعرت بالجوع.

لماذا يجب الصيام قبل العمليات الجراحية؟

سيوصيك طبيب التخدير بالتوقف عن الأكل أو الشرب لمدة 8 ساعات أو ربما 12 ساعة في بعض الحالات قبل العملية. وفوائد الصوم قبل العملية الجراحية هي إبقاء معدتك فارغة ومنع شفط محتويات المعدة. والشفط هو عندما يدخل شيء ما أكلته أو شربته (الطعام أو السوائل من معدتك) إلى رئتيك.

أثناء كونك في حالة الاستيقاظ فإن منعكسات الجسم الوقائية والوظائف اللاإرادية تكون سليمة. فإذا دخل طعام أو سائل أو أي جسم غريب إلى مجرى الهواء فإن جهازك العصبي يتفاعل مع وجوده. فهو ينشط منعكس السعال أو البلع وحتى مركز القيء في دماغك أحياناً ويخرج الجسم الغريب من الممرات الهوائية.

لكن عند تلقيك التخدير فإن جسمك يدخل في حالة فقدان الوعي وتتوقف منعكساتك الوقائية والوظائف اللاإرادية عن العمل. حيث تقل حركتك المعوية وتقل الحركات التمعجية التي تدفع الأطعمة إلى أسفل القناة الهضمية. ونتيجة لذلك يصبح من الأسهل عودة محتويات المعدة إلى الحلق. ونظراً لعدم عمل منعكسات السعال أو البلع فإن هذا الطعام يدخل إلى الرئتين.

بالإضافة إلى ذلك فإنه يتم إدخال أنبوب يسمى الأنبوب الرغامي أسفل حلقك لتسهيل التنفس أثناء العملية. لكن الأنبوب الرغامي يجعل من السهل للطعام أو السوائل من معدتك أن تنشفط إلى الرئتين. وهذا الشفط يؤدي بدوره إلى إنتانات الرئة وتضرر الأنسجة ومضاعفات أخرى.

علاوة على ذلك يمكن أن يؤدي ارتجاع الطعام أو السوائل في الحلق إلى الغثيان والقيء بعد العملية الجراحية. حيث أن ما يقرب من ثلاثين بالمائة من الأشخاص الذين خضعوا للتخدير العام يعانون من الغثيان والقيء. وهذا يمكن أن يصبح شديداً بسرعة إذا كانت معدتك مليئة بالطعام والسوائل. في حين أن الأدوية يمكن أن تدير مثل هذا الغثيان والقيء فإن منع حدوث هذه الآثار الجانبية في المقام الأول هو أمر أفضل.

هذا هو سبب الصيام قبل العملية الجراحية وعدم تناول الطعام وإبقاء معدتك فارغة.

ماذا يحدث إذا أكلت قبل العملية الجراحية؟

إذا أكلت قبل العملية يزداد خطر إصابتك بالشفط. ويمكن أن يؤدي الشفط في رئتيك إلى المضاعفات الشديدة التالية:

• فشل الجهاز التنفسي بسبب انسداد مجرى الهواء
• متلازمة الضيق التنفسي الحاد (تراكم السوائل في رئتيك)
• التهاب الرئتين المرتبط بالحمض (الالتهاب الرئوي)
• الالتهاب الرئوي الشفطي (إنتان الرئتين)
• الانهيار القلبي الرئوي والموت

الالتهاب الرئوي الشفطي هو من المضاعفات الخطيرة ولديه معدل وفيات مرتفع يصل إلى حوالي 21 بالمائة. وبالإضافة إلى ذلك فإن المضاعفات الأخرى مثل متلازمة الضيق التنفسي الحاد أو التهاب الرئة شديدة للغاية وتسبب كثيراً من الوفيات.

إلى جانب التخدير فإن عوامل الخطر الشائعة للشفط تشمل ما يلي:

• ضعف المنعكس البلعومي
• الحموضة المعوية/ مرض الارتجاع المعدي المريئي
• ضعف الوعي
• السكتة الدماغية والنوبات وأمراض الدماغ الأخرى

ومع ذلك فإن مخاطر الشفط منخفضة للغاية بفضل الإجراءات الوقائية مثل الصيام قبل العملية الجراحية. بحسب بحث نُشر في مجلة الرعاية الدقيقة والحرجة فإن الشفط يؤثر على 1 من كل 3000 شخص تحت التخدير العام.

وبالتالي فإن شفط محتوى المعدة هو من مضاعفات التخدير المخيفة للغاية لكل من المريض والطبيب. ولهذا يوصى بالصيام لمدة ثماني ساعات إلى اثنتي عشرة ساعة قبل العملية الجراحية حتى تكون المعدة فارغة بحلول وقت التخدير.

ما هي أنواع التخدير التي تتطلب الصيام؟

للتخدير أنواع عديدة، ويعتمد التخدير المعطى على نوع العملية التي سيتم إجراؤها من حيث كونها عملية جراحية كبرى أو بسيطة. فعلى سبيل المثال قد تتضمن الجراحة التجميلية تخديراً موضعياً لجزء معين من الجسم أو تخديراً عاماً يفقدك الوعي.

بعض أنواع التخدير المستخدمة بانتظام في المستشفيات تتضمن ما يلي:

• التخدير الموضعي: يتم تطبيق دواء لتخدير جزء صغير من جسمك كما هي الحال عند أخذ حقنة.
• تخدير الناحية: يُعطى لمنع إشارات الألم من الوصول إلى دماغك من ناحية واحدة من جسمك مثل الذراع أو الساق أو النصف السفلي من الجسم. حيث يتم حقن الدواء المخدر حول الأعصاب التي تغطي تلك المنطقة من جسمك.
• التسكين (سيديشن): عندما يتم إعطاء دواء ليشعرك بالاسترخاء والنعاس أثناء إجراء أو عملية جراحية.
• التخدير العام: التخدير العام يفقدك الوعي بحيث لا يمكنك الشعور بأي شيء أو رؤية أو سماع أي شيء، ويتم إعطاؤه أثناء العمليات الجراحية الكبرى.

باستثناء التخدير الموضعي فإن جميع أنواع التخدير الأخرى غالباً ما تتطلب شكلاً من أشكال الصيام قبل التخدير. يعتمد نوع التخدير الذي يُعطى لك على العملية التي سيتم إجراؤها لك. ونتيجة لهذا يمكن أن تختلف توصيات تناول الطعام والشراب بشكل كبير. ومع ذلك عندما يتضمن الإجراء الطبي أو الجراحة الخاصة بك تخديراً عاماً مثل جراحة التجميل فإن الصيام لمدة ثماني ساعات إلى اثنتي عشرة ساعة قبل الإجراء أمر بالغ الأهمية.

لكن الخبر السار هو أن معظم العمليات الجراحية تتم في الصباح الباكر. لذلك فإن الصيام قبل العملية يبدأ قبل النوم بقليل، ومعظم فترة صيامك تكون خلال الليل أثناء النوم. وبالنتيجة قد ينتابك شعور الجوع أو العطش فقط في الصباح قبل العملية، ورغم صعوبة هذا إلا أنه يمكنك السيطرة عليه.

ماذا يمكنني أن آكل في الليلة التي تسبق العملية؟

في حين أنه يمكنك تناول طعامك المعتاد حتى الليلة التي تسبق العملية الجراحية إلا أنه عليك تناول أطعمة خفيفة مثل السلطات والشوربات والقهوة والكريمات والحليب في الليلة التي تسبق العملية. فهذه الأطعمة سهلة الهضم ولا تبقى في المعدة لفترة طويلة.

بالإضافة إلى ذلك فإن عليك عدم تناول الأطعمة الغنية بالدهون أو البروتينات مثل اللحوم أو الأطعمة المقلية لأنها تستغرق وقتاً أطول للهضم. وإذا تناولت هذه الأطعمة فسوف يتأخر إفراغ المعدة مما يخرب الغرض من الصيام قبل العملية.

قد ينتابك إغراء تناول وجبة كبيرة في الليلة السابقة للعملية من أجل تجهيز نفسك للصيام. لكن مرة أخرى يمكن أن يؤدي هذا أيضاً إلى تأخير إفراغ المعدة. وبالتالي قد يقوم طبيبك بإعادة جدولة العملية أو تأجيلها إذا كانت معدتك ممتلئة.

لكن إذا بدا الصيام صعباً فيمكنك البدء بتناول أطعمة غنية بالبروتينات وخالية من الدهون قبل العملية بأيام أو حتى أسابيع. فأطعمة مثل لحم الضأن والتوفو والمأكولات البحرية والدجاج يمكن أن تساعد جسمك بسهولة على تجاوز فترة الصيام قبل العملية الجراحية.

هل يمكنني تناول الطعام بعد العملية؟

الجراحة ليست مجرد حدث مرهق للجسم بل هي تتداخل أيضاً مع الهضم. وبالإضافة إلى ذلك قد تستمر آثار التخدير العام لمدة 24 ساعة بعد إعطائه. وبالتالي قد يكون من الصعب هضم الأطعمة الصلبة خلال هذه الفترة.

ومع ذلك فإنه يعتمد أيضاً على العملية التي يتم إجراؤها لك وما إذا كانت لديك معاناة من أية آثار جانبية بعد ذلك. ففي حين أن بعض العمليات الجراحية تتطلب منك الاستمرار باتباع نظام غذائي سائل لعدة أيام إلا أنه يمكنك البدء بتناول الأطعمة المعتادة على الفور بعد عمليات أخرى.

تتطلب الجراحة التجميلية مثلاً منك تناول سوائل صافية فقط لمدة 72 ساعة على الأقل بعد العملية. عليك سؤال طبيبك للحصول على مزيد من التفاصيل حول ما يجب تناوله وما يجب عدم تناوله بعد العملية.

ماذا تقول أحدث الأبحاث حول هذا الموضوع؟

في حين أن الصيام من 8 ساعات إلى 12 ساعة قبل العملية بقي هو النهج التقليدي إلا أن أحدث الأبحاث تقدم بعض الأفكار الجديدة. فحسب البحث الذي نُشر في المجلة الكندية للتخدير فإن شرب ما يصل إلى 300 ميلي لتر (حوالي كوب) من سائل صافٍ قبل العملية لا يؤثر على حجم السوائل في المعدة أو على حموضة المعدة.

لكن قد يخطر لك الآن تساؤل ”ما هي السوائل الصافية؟“. تعتبر المشروبات مثل عصير الفاكهة بدون اللب والقهوة السوداء والشاي الصافي والماء سوائل صافية. لكن بالمقابل عليك عدم تناول الحليب أو الزبادي (اللبن الرائب) أو مشروبات الطاقة قبل العملية لأنها قد لا تكون مفيدة.

ومع ذلك من الجيد دائماً استشارة طبيبك. إذ عليك سؤاله عما إذا كان بإمكانك شرب سوائل صافية حتى ما قبل ساعتين من العملية أو إذا كان الالتزام بالنهج التقليدي هو الفكرة الأكثر أماناً. وبالإضافة إلى ذلك فإن عليك سؤاله عن خطة الأكل الشخصية إذا

• كان لديك داء السكري
• كانت لديك أية أدوية منتظمة
• كانت لديك معاناة من أمراض أخرى

الصيام قبل العملية لا يقوم بمنع الكثير من المضاعفات أثناء العملية فحسب، بل هو مفيد أيضاً حتى بعد العملية. إذا كان سيتم إجراء عملية جراحية بالتخدير العام لك فيجب عليك التوقف عن تناول الأطعمة المعتادة وشرب الكحول أو الجعة قبل 8 ساعات على الأقل من العملية. ولا بد من استشارة طبيبك دائماً بشأن كل ما يتعلق بصحتك وسلامتك.